علي عبدالكريم العبندي كلمة اصلها اغريقي (astron logos) اي دراسة النجوم
التنجيم: المعرفة بمجموعة من التقاليد والمعتقدات والانظمة لمواضع ظهور الاجسام الفلكية وخصائصها التي تحمل في طياتها معلومات وترجمة عن شخصية وشؤون الانسان والامور الارضية الاخرى. ويطلق على الممارس للتنجيم بالمنجم. وقد وظفت الكثير من التقاليد المفاهيم التنجيمية منذ فجر التاريخ في الالفية الثالثة قبل الميلاد. ولعب بداية التنجيم دورا في تشكيل الثقافة والاداب الاخرى عبر مر التاريخ.
بسب الرغبة في التنبوء كانت معرفة طرق التكهن واحدة من اكبر المحفزات للملاحظات الفلكية تعذر التمييز بين علم الفلك والتنجيم حتى العصر الحديث. وبدأ علم الفلك يتباعد تدريجيا عن التنجيم وفي النهاية ميز علم الفلك نفسه على انه دراسة علمية للاجسام والظواهر الفكية بدون ربطه بالتخمينات التنجيمية. وضل النجيم من حينها يصنف على انه من العلوم الزائفة بعد فصلهما.
يعرف التنجيم على انه دراسة تاثير الكون على الحياة على الارض. لكن المنجمين حديثا يعرفونه على انه لغة الرموز اوشكل من اشكال الفنون والكهانة. على الرغم من الاختلاف في التعريفين لكن هناك مفهوم مشترك للتنجيم وهو استخدام المواقع السماوية من اجل فهم الماضي واحداث الحاضر والتنبوء بالمستقبل. المجتمع العلمي يعتبر التنجيم علم مزيف وخرافة لعدم وجود الدلائل العلمية التي تدعم ادعاءات المنجمين. لكن يبقى الاعتقاد بالتنجيم واسع الانتشار فـ 31% من الامريكان يعتقدون بالتنجيم وفي دراسة اخرى 39% منهم يعتقد بان التنجيم حقيقة علمية.
نبذة تاريخية عن التنجيم
نشأة التنجيم
اكثر عقائد وطرق التنجيم والتي طورت بعد ذلك في اسيا واروبا والشرق الاوسط تعود لحضارة بابل ونظام طوالع السماء وهي محصورة في منتصف الالفية الثانية قبل الميلاد تقريبا. انتشر نظام الطوالع عند البابلين والاشوريين بعدها في مناطق اخرى كالهند والصين والاغريق بطريقة مباشرة او غير مباشرة وعندها دمجت مع اشكال التنجيم المحلية. ومع حضور المنجمين البابليين الى اليونان في بداية منتصف القرن الرابع قبل الميلاد ومرة اخرى في نهاية القرن الثاني وبداية الاول قبل الميلاد بعد فتوحات الاكسندر المقدوني خلطت التعاليم البابلية مع نعاليم التنجيم المصرية ونشأة مخطط التنجيم. هذه الشكل الحديث من التنجيم ظهر بداية في الاسكندرية في مصر وبسرعة انتشر خلال العالم القديم الى اوروبا والشرق الاوسط والهند.
ماقبل الثورة العلمية
حتى اثناء الثورة العلمية لعبة الممارسات التنجيمة دور مهم في تقدم علم الفلك والرياضيات والطب والمعرفة النفسية. ثاثيرات التنجيم شملت رصد وتتبع الاجرام السماوية على المدى الطويل. ويعتبر المنجمون هم الاول من قدم نظام موثق عن حركة الشمس والقمر والكواكب والنجوم. الاختلاف بين علم الفلك والتنجيم تفاوت من مكان الى اخر. وكان من الصعب التمييز بينهما في الفترة مابين حضارة البابلية القديمة والعصور الوسطى لكنها انفصلة الى درجة كبيرة في عهد الاغريق. كان نقد التنجيم غير مقبول قبل العصر الحديث وكان التشكيك تحديا للحضارة الاغريقية المنقولة الى اراضي الغير (Hellenistic) وصلاحيات الكنيسة وعلماء الفلك المسلمين من القرون الوسطى.
كما ان نمط من المعرفة الفلكية حصلت نتيجة مساعي تنجيمية تكررت تاريخيا عبر الحضارات المختلفة من الحضارة الهندية القديمة الى الحضارة المايا التقليدية الى اوروبا القرون الوسطى. بسبب هذه الاسهامات التاريخة لفهم التنجيم صنف التنجيم على انه من العلوم الكاذبة او المزيفة. والكثير من اصحاب التفكير الواعي والفلاسفة والعلماء واخرين كانت لهم اسهامات بشكل ملحوظ في فهم التنجيم.
اثار التنحيم على ثقافة العالم
كان للننجيم تاثير عميق عبر الاف السنين على ثقافات الشرق والغرب. في العصور الوسطى عندما كان التقافة العامة تعتقد بمصداقية التنجيم وكان الاعتقاد السائد بان نظام القبة السمائية والاجرام تنعكس على النظام المعرفة على الارض بذاتها.
واثر التنجمي على اللغات والادب. على سبيل المثال كلمة انفلوانزا (influenza) اتت من الكلمة اللاتينية في العصور الوسطة (influentia) بمعنى التاثير. اطلق علي هذا المرض هذا الاسم لان الاطباء اعتقدوا بان الاوبئة سببها سوء طالع كوكب او تاثيراته الكبيرة. الكلمة (Disaster) كارثة اتت من الكلمة الاتينية (dis-aster) اي نجم سيء. صفات : (lunatic) مجنون (Luna) الهة القمر (mercurial) زئبقي على عطارد (venereal) تناسلي على الزهرة (martial) عسكري على المريخ (jovial) بشوش على المشتري (saturnine) كئيب على زحل كلها كلمات قديمة استخدمت لوصف حالات معية لكي يكون للكواكب تاثير على الشخصية وبعضها سميت باسماء مشتق من صفات الهة رومانية فيما بعد. في الادب الكثير من الكتاب بشكل خاص مثل وليم شكسبير Geoffrey Chaucer استخدموا رموز تنجيمية لاضافة الفروق الدقيقة لوصف شخصياتهم. غالبا لفهم رموز التنجيم تحتاج قدر كبير من المعرفة في الادب.
بعض اصحاب الفكر التنويري وبشكل خاص كار جونج (Car Jung) عتقد بتاثير قوة التعبير عند المنجمين على الفكر حتى بدون ضرورة لاشتراكها في ادعائات تنبوئية. انعكس تعلم التنجيم في التعليم الجامعي في العصور الاوسطى في اوروبا حيث قسم الى سبع تخصصات متميزة كلا منها تمثل اجرام معين وسميت بالفنون السبعة المتحررة. دانتي الجيري (Dante Alighieri) خمن ان هذه الفنون والتي تنامت الى علوم المعروفة اليوم وتشكلن بنفس الهيكلة الملائمة للكواكب. بالنسبة للمسيقى افضل مثال معروف لتاثير التنجيم هي معزوفة الاوركسترا المسمى الكواكب للملحن غوستاف هولست (Gustav Holst) وهيكل عملها قائم على رموز التنجيم للكواكب.
الاعتقاد بالتنجيم
ساد الاعتقاد بالتنجيم في اكثر العوالم القديمة وقيل في الامثال (as above, so below) " كما هو في السماء هو في الارض". تيكو براهي (Tycho Brahe 1546-1601 فلكي دنماركي، جمع أكواماً من المشاهدات والملاحظات عن حركة الأجرام السماوية، لكن عقيدته العلمية الرافضة لنظرية كوبرنكس لم تتح له اكتشاف حقيقة حركة الكواكب حول الشمس، التي اكتشفها كبلر) استخدم صيغة مماثلة ليلخص دراسته للنجيم (by looking up I see downward) "بالنظر الى اعلى اشاهد الاسفل". مع الرغم من مبدء انعاكس الاحداث السماوية على من في الارض حكمتها العادات التنجيمية في العالم لكن وجد من الناحية التاريخية في الغرب نقاش بين المنجمين عن طبيعة الاليه خلف التنجيم. حيث شمل النقاش ما اذا كان (او لا) الاجرام الفلكية هي المسبب او نذير الى الاحداث ام ان السبب الحقيقي خلف الاحداث نوع من القوة او الالية.
مع ان الرابط بين الحركات الارضية وحركة الاجرام السماوية تحكم من قبل قوانين اكتشفت لاول مرة بوساطة اسحاق نيوتن (Isaac Newton 1643-1727) مع تطور نظريته العالمية عن الجاذبية الى ان المنجمين لم تكن عندهم القدرة لاثبات عموميات التنجيم بواسطة البحث العلمي او الدفاع عنها مما اعتبر وقتها على ان استنتاجاتهم مجرد ادعاءات.
اكثر ممارسات التنجيم اسست على الربط بين المواقع النسبية للاجرام الفلكية وحركاتها الحقيقة والظاهرية وبين البنية العامة لشكل السماء الضمنية اوالمحسوبة في وقت ومكان دراسة الحدث. وبصورة رئيسية الكواكب وكواكب القزمة والكويكبات والنجوم وعقد القمر (تقاطع مدار الشمس والقمر) والطوالع والكواكب الافتراضية.
الاطار المسنخدم كمرجع لمواضع ظهور الاجسام الفلكية هو ما يعرف البروج النجمية او البروج الاستوائية المكون من 12 برج من جهة ودائرة الافق المحلية وخط الزوال من جهة اخرى. هذا الاطار الاخير عموما مقسم الى 12 منزلة تنجيمية. علاوة على ذلك يستخدم لتحديد العلاقات الهندسية والزوايا بين الاجسام الفلكية المتنوعة والزوايا على مخطط الابراج (Horoscope) من نواحي التنجيمة.
ادعاء التنجيم القدرة على التنبوء بتوجهات وتطورات المستقبل مبني على اساس طريقتين رئيسيتين: العبور والتعاقب للاجسام السماوية. ان حركة عبور الكواكب المستمرة في السماء ومايقابلها في مخطط الابراج له اهمية بالنسبة للتنجيم لترجمة الاحداث. ان تعاقب الملاحظ على مخطط الابراج يتيح التنبوء باحداث متقدمة في الوقت بناء على اليات معينة. لم يعد المنجمين الجدد يحاولون التنبوء بالاحداث الفعلية. ولكن يركزون على العموم بتوجهات وتطورات المستقبل. رد المشككون عليهم بانها هذه الطريقة تسمح للمنجمين من تجنب اثبات تنبؤاتهم وتعطيهم القدرة على الصاق احداث مهمة بمواضيع لاعلاقة له بالاحداث بما يتماشى مع مبتغاهم.
في الماضي اعتمد المنجمون في اغلب الاحيان على الملاحظات الفورية للاجسام الفلكية ومخطط حركاتها. في الوقت الحالي المنجمين يستخدمون بيانات جاهزة من علماء الفلك يتم تحويلها الى مجموعة جداول تنجيمية تسمى رزنامة تظهر التغيرات الفلكية للاجرام السماوية عبر الوقت.
التنجيم (Astrology) : مقدمة تاريخية
0 comments:
إرسال تعليق